کد مطلب:280391 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:263

الطریق إلی الهیکل
بعد أن تمزقت الوحدة الدینیة واختلف الذین أوتوا الكتاب بعد أن جاءهم العلم، وبعد أن جرت الروح العسكریة حاملة للعدوان فی جسد المسیرة، لم تجف الساحة من الأنبیاء والمصلحین الذین حملوا مشاعل الفطرة علی امتداد الطریق، ومن هؤلاء (طالوت) ویسمیه العهد القدیم (شاول). اصطفی الله طالوت وزاده بسطة فی العلم والجسم، فكان علمه منارا فی ساحة لیس فیها علم یری، وكانت قوته معجزة فی ساحة یختار أهلها الزعیم وفقا لصفاته الجسمیة ومقدرته العسكریة، ویضاف إلی هذا وذاك أن طالوتا جاء إلیهم بما ضیعوه علی طریق الاختلاف والافتراق، لقد جاء ومعه تابوت موسی فیه سكینة من الله وبقیة مما ترك آل موسی وآل هارون، لعل المسیرة إن تتذكر وتتدبر وتؤمن.

قال تعالی: (وقال لهم نبیهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا



[ صفحه 57]



أنی یكون له الملك علینا ونحن أحق بالملك منه ولم یؤت سعة من المال. قال إن الله اصطفاه علیكم وزاده بسطة فی العلم والجسم والله یؤتی ملكه من یشاء والله واسع علیم. وقال لهم نبیهم إن آیة ملكة أن یأتیكم التابوت فیه سكینة من ربكم وبقیة مما ترك آل موسی وآل هارون تحمله الملائكة إن فی ذلك لآیة لكم إن كنتم مؤمنین). [1] .

فعندما أخبرهم نبیهم بملك طالوت حكموا الحس فی الأمر، واعترضوا بأنهم أحق بالملك منه وأنه لم یؤت سعة من المال، فحمل الرد إلیهم: أن الملك وهو استقرار السلطة علی مجتمع من الناس، الغرض منه أن یدبر صاحبه المجتمع تدبیرا یوصل كل فرد من أفراده إلی كماله اللائق به، ویجمع الناس تحت إرادة واحدة فلا یزاحم فرد فردا.

ولا یتقدم فرد من غیر حق ولا یتأخر فرد من غیر حق، والذی یحقق هذا المطلب أمران: (أحدهما): العلم بجمیع مصالح الناس ومفاسدها (وثانیهما) القدرة الجسمیة علی إجراء ما یراه من مصالح المملكة، وهما اللذان یشیر إلیهما قوله تعالی: (وزاده بسطة فی العلم والجسم).

ثم حاصرهم الرد بحجة دافعة وهی قوله تعالی: (والله یؤتی ملكه من یشاء) أی له تعالی التصرف فی ملكه كیف شاء وأراد. ولیس لأحد أن یقول: لماذا أو بماذا. أی لیس لأحد أن یسأل عن علة التصرف لأن الله هو السبب المطلق.

ویذكر أبو الفتح السامری فی تاریخه. أن طالوتا قاتل بنی إسرائیل. وجعل ساحات البعل خالیة وأبطل طرقها وإنه داهم بنی إسرائیل فی مرج البهاء وقتل كل من وجده فی ساحة البعل. وحفظ الشریعة اثنین وعشرین عاما [2] ولم یقف طالوت أمام الشذوذ الداخلی



[ صفحه 58]



فی المسیرة فقط وإنما جهز جیشا لقتال عدوه الخارجی المتمثل فی (جالوت) ویسمیه العهد القدیم (جلیات) [3] وأثناء تقدم الجیش فی إتجاه المعركة. أجری طالوت علی الجنود اختبارا علی قاعدته یمیز الصادق من المنافق، لتتعری المسیرة العسكریة التی تاجر بها بنی إسرائیل من بعد موسی علیه السلام، قال تعالی: (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتلیكم بنهر فمن شرب منه فلیس منی ومن لم یطعمه فإنه منی إلا من اغترف غرفة بیده. فشربوا إلا قلیلا منهم. فلما جاوزه هو والذین آمنوا معه. قالوا لا طاقة لنا الیوم بجالوت وجنوده. قال الذین یظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قلیلة غلبت فئة كثیرة بإذن الله والله مع الصابرین). [4] .

ذكر فی المیزان أن الجنود كانوا فی الظاهر مع طالوت، ولكن لم یتمیز بعد الطیب من الخبیث، ولم یتحقق بعد من هم الذین مع طالوت، فكان النهر الذی ابتلاهم به الله. لیتعین به من لیس منه وهو من شرب من النهر، ویتعین به من هو منه وهو من لم یطعمه، وبعد جواز النهر تمت المفاصلة وبقی معه الذین هم منه. والذین لم یخرجهم من المغترفین، والتدبر فی الآیات یعطی أن یكون القائلون: لا طاقة لنا الیوم بجالوت وجنوده. هم المغترفون، والذین قالوا كم من فئة قلیلة هم الذین لم یطعموا الماء أصلا. [5] .

وبدأت المعركة لتظهر اسم داوود من خلالها، قال تعالی: (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علینا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا علی القوم الكافرین. فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله



[ صفحه 59]



الملك والحكمة وعلمه مما یشاء). [6] وعلی هذا تكون مملكة طالوت مهدت الطریق لمملكة داوود. وبالجملة: لقد سجلت مملكة طالوت علی المسیرة الإسرائیلیة. أنها مسیرة لیس فیها علم یری لاتجاهها نحو البعل والأصنام، وسجلت علیهم تولی أكثرهم عند إنجاز القتال قبل مجئ طالوت. وهو قوله تعالی: (فلما كتب علیهم القتال تولوا إلا قلیلا منهم والله علیم بالظالمین. وقال لهم نبیهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) الآیة، وسجل علیهم الاعتراض علی ملكه، والشرب من النهر، وقولهم: لا طاقة لنا بجالوت وجنوده.

ونظرا لأن طالوتا بعث علیهم بالحجة والقبضة الحدیدیة، فإن سیرته لم تجد لها حظا وافرا ضمن أمجاد بنی إسرائیل، والذی یقرأ سفر صموئیل یجد أن كاتب السفر قد وقع فی تناقضات عدیدة، وهدم قیادة طالوت لحساب قیادة داوود، وأكد معنی یقول أن خلاص الشعب من طالوت كان علی أیدی داوود، ویستلزم ذلك أن مملكة داوود هی المتنفس الذی ینبغی أن تتوجه إلیه المسیرة وهی تجتر ذكریاتها، ولم ینسی كاتب السفر أن یجعل طالوت عدوا لدودا لداوود، فذكر أن طالوتا (شاول) قال لابنه ما دام ابن عیسی (داوود) حیا علی الأرض. لا تثبت أنت ومملكتك. والآن أرسل وأت به إلی لأنه ابن الموت هو [7] وذكر أن طالوت أمر عبیده وجنوده بقتل داوود. [8] وإن داوود هرب خوفا منه. [9] وقال أن طالوت قتل كهنة الرب. [10] وكانت نهایته نهایة



[ صفحه 60]



المهزوم المكسور نتیجة لغضب الله علیه. [11] لأنه حول الحرب الیهودیة من حرب قومیة مع الجیران. إلی حرب جانبیة لتصفیة الصراعات الشخصیة.

وذكر كاتب السفر أن الله زاد (شاول) بسطة فی الجسم، ولم یشر الكاتب إلی بسطة العلم، وأدی ذلك إلی الخلط بین الحقیقة وبین الأوهام التی دثرها الخیال علی امتداد طریق تداول الذكریات.

وجاء داوود علیه السلام علی أرضیة فیها التابوت فیه سكینة من ربكم وبقیة مما ترك آل موسی وآل هارون. وشد الله تعالی ملكه بالهیبة وحسن التدبیر والمعارف الحقة. وكانت مملكة داوود علیه السلام دعوة من أجل العودة إلی الینبوع الفطری. وكان تسبیح داوود عین معجزته. فالجبال فی تسبیحها توافق تسبیحه والطیر یسبح معه وتقرع تسبیحها أسماع الناس. قال تعالی: (واذكر عبدنا داوود ذا الأیدی إنه أواب. إنا سخرنا الجبال معه یسبحن بالعشی والإشراق. والطیر محشورة كل له أواب. وشددنا ملكه وآتیناه الحكمة وفصل الخطاب) [12] لقد كان التسبیح حجة علی أصحاب القلوب التی قدت من حدید. وكان حجة من شأنها إنها ترفع الصدأ الذی علی القلوب لمن أراد أن یتخذ إلی ربه سبیلا. ولم تفطن المسیرة إلی حكمة التسبیح فی مملكة داوود.

وتصفحت أمام الأرض والطین وحدود مملكة داوود.

ومن بعد داوود جاء سلیمان علیهما السلام، وأعطاه الله المعجزات التی یخضع لها أصحاب العقول والأفهام والذین أفنوا حیاتهم فی غیبوبة بناء المقابر والأهرامات ومعابد العجول، جاء سلیمان علیه السلام بالمعجزة التی تذیب النحاس، وأسال الله له النحاس فكان



[ صفحه 61]



كالعین الجاریة. وسخر له الجن یعملون له ما یشاء من محاریب وتماثیل وصحائف الطعام وما یجمع فیه الماء. والقدور الراسیات التی یطبخ فیها الطعام وغیر ذلك، ولم یكن هذا من أجل الأبهة، وإنما كان من أجل إقامة الحجة علی مسیرة بشریة. تسیر تحت سقف الامتحان لینظر الله إلیهم كیف یعملون.

وذكر العهد القدیم أن داوود لم یأمر ببناء المحراب فی أورشالیم. وإنما أمر ببناء مذبحا فی (بیدر أرونة) الیبوسی. وعندما أراد صاحب الأرض أن یتبرع مكان المذبح. رفض داوود علیه السلام أن یكون المكان مجانا واستشراه. وأقام علیه المذبح [13] وأتی بالتابوت وأمر آل هارون واللاویین فحملوا التابوت كما أمر موسی حسب كلام الرب بالعصی علی أكتافهم [14] وعندما بعث سلیمان علیه السلام. أمر الله تعالی ببناء البیت فی أورشالیم. یقول العهد القدیم أن الله قال لداوود إنك أنت لا تبنی البیت. بل ابنك الخارج من حلبك هو الذی یبنی البیت الأسمی [15] وذكر العهد القدیم أن سلیمان قال وهان ذا قائل علی بناء بیت لاسم الرب إلهی. كما كلم الرب داوود أبی. [16] .


[1] سورة البقرة آية 248.

[2] نقد التوراة / حجازي لا السقا ص 92.

[3] صموئيل أول 17 / 23.

[4] سورة البقرة آية 249.

[5] الميزان 285 / 2.

[6] سورة البقرة آية 251.

[7] صموئيل أول 20 / 30.

[8] المصدر السابق 19 / 1.

[9] المصدر السابق 27 / 1.

[10] المصدر السابق 23 / 17.

[11] المصدر السابق 28 / 15.

[12] سورة ص آية 18 - 19.

[13] صمونيل الثاني 24 / 23 - 25.

[14] أخبار الأيام الأول 15 / 15.

[15] الملوك الأول 18 / 18 - 20.

[16] المصدر السابق 8 / 60.